#عبثية

LIVE

وبينما كنت احملق في السماء المظلمة…فتحت قلبي الى عدم الاكتراث الكوني البديع..

الغريب | آلبير كامو

المحاكمة - فرانز كافكا


تعرّفت على كافكا، من خلال كثرة الحديث عنه في الوسط الأدبي. في كونه سوداوي، وانطباع مايكتبه بطابع كابوسي. شّدتني بطبيعة الحال هذه الأوصاف. فاقتنيت مجموعة لأعماله الكاملة، ومن خلال قراءة جزء كبير منها ، شدهت لأنها مميزة حيث أني لم أقرأ شيئا مماثلا. تتميز بكونها عبثية ، أي أنك تضع موقفا أو مشهداً في غير مكانه ، خالقاً بذلك مشهداً جديداً فريداً ومزعجاً بعض الشيء كون المرء لم يعتد أبداً على رؤيتها بهذا الشكل. وتتميز نصوصه بأنها رمزية وسريالية يمكن أن تؤول بأكثر من زاوية. في المحاكمة ، هي في نظري أرقى وأفضل ما قرأت لكافكا حتى الآن. ولغريب الأمر ، كان كافكا عادة في قصصه القصيرة قليلا مايركز على الحوار أو الجدال ويسهب في الشرح ودواخل الشخصية ، أما في المحاكمة فقد كان متزنا بين هذا وذاك. رأيت في نصه كيفَ أن الإنسان يُسحق تحت سلطة أعلى منه ولا يستطيع حتى الوصول إليها بل والاستعلام عنها، بل لايحق له ذلك. أتّهم على حين غرّة يوزف ك غير مدرك سبب الاتهام وطبيعته ، ويظل هكذا حتى النهاية المأساوية. بداية يحاول الدفاع عن موقفه، كونه بريء ولايحتاج إلى حماية إذ أنه لم يرتكب ذنبا بالأساس. لكنه ينحدر ، بعدما يعلم تدريجيا عن سوء وضعه، نحو محامي على توصية من عمه .فظل يراجع المحامي، حيث انه في كل جلسة ، يسهم في شروحات عن سير المحاكمة الغامض وكيف يجب ان يتصرف المرء ناحيتها، ولاجدوى مذكرات الدفاع ولا جدوى المحامي أصلا ، لكنه في الجانب الاخر مهم جدا اذ انه لديه الكثير من المعارف الذين من الممكن التأثير عليهم ، لكن قد يكون ذلك غير فائدة احيانا. الحوار كان طرف واحد وهو المحامي و ينطوي على كثير من الشرح والإيحاءات القائمة على أنه متابع لموضوع القضية ، وكل هذه الاسهامات يُستنتج منها شيئا واحداً ، عدم الجدوى، آمال متناقضة متصلة كجديلة تفضي الى نهاية واحدة ، المجهول ، وعدم التأكد ، وكابوسيك اللا نهاية ، كدرج طويل من اليأس لانهاية له . يتخذ يوزف بعدها موقفا مشابها بالمحتالين ، فيتصل ببعض الأشخاص الذين قد يكون بإمكانهم التوسط له أو مساعدته بحكم معرفتهم العميقة بمجريات التحقيق، وقد يكون لهم التأثير على مجريات المحاكمة. لكن ذلك كله ينطوي على مجرد مماطلة ، مماحكة غير مجدية ، اذ ان سير المحاكمة والقاضي القائم عليها غير معروف . ولا يجوز أن يتم التعريف به أو بالقضية. فيستسلم يوزف في النهاية ، مسلما بالأمر وان ابدى ممانعة كأمل أخير ، كشمعة على وشك الانتهاء، بعدها يدرك تفاهة موقفة في ممانعة هذا التيار . فينّفذ الحكم به ، في منطقة نائية، بالقرب من مقلع حجارة ، بدلا من غرفة اعدام ، وفي عبثية المكان هذه لمسة كابوسية، طعنا ، ككلب على افتراض ان الخجل يعيش بعده.


المشاهد ، التي رسمها كافكا ، مشاهد محكمة ومراجعين ، لكن انتشل وضعها المكاني الى مبنى ذو غرف للإيجار حيث دوواين المحكمة تكمن في العلية وتتميز بممرات ضيقة وجو خانق. بهذا التشكيل جعل كافكا من المشهد كابوساً ، حيث جعل الشخصية تشعل بالاختناق وانها حبسية ذاتها على الرغم من كونها حرة. مشهد الجلاد مع الحراس وتنفيذ حكم العقوبة بهم في غرفة مخزن البنك، عبثية المكان هذه، وكونهم موجودين حتى اليوم الثاني على نفس الشاكلة من دون اي يعلم احد بهم سوى يوزف ، تجعل من المشهد كابوسا حقيقيا . وقد أبدع كافكا أيما إبداع من هذه الناحية.


نصوص كافكا كما سبق ان نوّهت ، رمزية . خصوصا في مشهد وفصل الكاتدرائية حيث يكم جوهر الرواية. وفي قصة الحارس مع الريفي. حيث ان هذه القصة مثل ماهو موّضح تؤول بأكثر من زاوية ، وكل زاوية لابد ان تمحص في تؤويلها مايترك انطباع لدى القارئ، انه حيثما وجد المقصود يعود مرة أخرى وينظر له من جانب آخر ، وهلمجال كمتاهة لا نهاية لها. كأن في حوار الكاهن مع يوزف ، عن هذه القصة ، هي الرواية في جوهرها .


مايهم ، هو علاقة المرء بنصوص كافكا، وليس علاقة كافكا بنصوصه، ففي الأولى نحن قراء وفي الثانية مجرد صحفيين فضوليين.

loading