#سيرة ذاتية

LIVE

الأيام - طه حسين

بدايةً ، شد انتباهي كثيراً اسم طه حسين ، الى أن عقدت العزم على قراءة عمل له بمثابة السيرة الذاتية. ماصدمني بداية الأمر أنه قضى حياته كفيفاً ، وأن أسمه ليشاد به في مجالس الأدب. فانتابني فضول وشك حول الوزن الأدبي لعمله ، كونه خالي من الوصف المكاني التصويري بحكم كونه كفيفاً. ولشد ما اعتبرت موقفي في الشك سخيفاً حين قرأت الأيام. فقد جعل من تحليله لنفوس الاشخاص، الروائح، المحيط وانتظام الاصوات تارة وتداخلها تارة أخرى، عذاباته ، ومسراته ، كوامن نفسه، حواسه الحادة في محيطه الجالس فيه ، كل ذلك خلق لوحة فنية جعلتني مشدوها من روعتها وتميز ألوانها وخطوطها وتضاريسها . كان طه حسين يقول ، للظلمة صوت ، لكثرة ماشدني هذا التعبير ، وانا ارى ان دلت هذه الجملة على شيء فإنها تدل على عمق الشعور بالظلمة. أما عن حديثي عن لغة الرواية فمن أكون ، أمام الدكتور الذي تذوق والتهم وكرع من مائدة اللغة ، فتراها سهلة عذبة في الاحداث التي تمتلأ بالغبطة والمسرة، بينما ترها حزينة توقع في النفس أسى ومرارة وتعاطف في تلك الاحداث التي ألّمت وأمضت الكاتب، فوفق في ذلك أيما توفيق، ونجح في ذلك أيما نجاح.

ولإحقاق الحق، هناك بعض الجمل المتكررة، والتفاصيل الغائبة التي من شأنها ان تعمق ترسب المشاهد في نفس القارئ، ففي بعض فترات الرواية كتلك الفترة في بعثته لفرنسا، جرت الاحداث على عجل ولم أُمنح الوقت الكافي لهضمها على خلاف أحداث الريف والأزهر ، وأنا أرى أن للأحداث في فرنسا أهمية لاتقل عن الاحداث الاخرى.

نهاية ، كتاب الأيام لطه حسين مبدع السيرة الذاتية، أخذني في عوالم وازمنة لم يكن بإمكاني السفر لها من دون قراءة الايام وجعلني انظر لكثير من الاشياء بمنظور مختلف ، واكثر عمقا. فشكراً للعلي الأعلى ، على هذه النعمة العظيمة.

loading