#هوية

LIVE
image

خلال ضباب الدماء، اشق طريقي . متبعاً إحساسي ، حيث الرؤية تقف عاجزة عن تتبع أي طريق ينبغي اتخاذه. أتابع المسير ، وقلبي يضطرب مع كل خطوة ، يضطرب مع فكرة ان هذا الطريق لانهاية له ، يضطرب لفكرة أنني في متاهة أبدية ، حيث لا خروج، لا توقف، ولا رؤية. منزوع الادراك والارادة. سرت إلى أن تمكن مني التعب، تعبت من نفسي ومن ضعفي ومن رطوبة الضباب الذي ملأ صدري بروائح الدماء، دماء لا أعرف مصدرها، كم يؤرقني ويمزقني ان لا أعرف مصدرها. لا أعرف كم مضى على حالتي هذه، بدأت أشتاق الى نفسي، الى إرادتي ، وحواسي، بكيت حيث لم يتبقى لي سوى البكاء، هو الشيء الوحيد الذي لم يُنتزع مني. سقطت على ركبتي باكياً، وخلال دموع البكاء التي تضفي رؤية حالمة وسرابية للواقع، بدأ الضباب ينقشع، وأبصرت الصورة. جثث، مترامية هنا وهناك، بعضها مسحوق تماماً، والاخر لازال يحتفظ ببعض أطرافه، بينما الآخر لم يترك سوى الدماء، حيث تكون هي الدليل على وجوده. كانت الجثث تحمل صورتي، وجسدي، أرى نفسي مقتولا، هنا وهناك، بين الأزقة وعلى الرصيف، فوق السطوح وطافياً بتعاسة يجرفني تيار المجارير. ترى مالسبب؟ مالذي فعلت بذاتي؟ ماذا فعلت نفسي بنفسي؟ وخلال تساؤلي، نهضت جثة تنزف دماً من عينيها وأخرى تنزف من فمها، وثالثة تنزف من قلبها، ورابعة وخامسة، ثم سادسة وسابعة، جميعهم يتجهون نحوي، ويضموني واحدا تلو الآخر، وخلال هذا الطقس المقدس، نقلت جثث الأنا مختلف الاسباب التي قتلتني. كانت هذه تشكو نسياناً أصابها بسهم في صدرها، وأخرى تبكي حزنا سحقها وأخرى تصف قتالا خاسراً مع اليأس طرحها أرضاً، ورابعة تريني آثار اعتداء عنيف من الكآبة عليها، كل أنا تصف وتشكوا لي سببا. الى ان انتهت آخر أنا ، مشيرة بأصبعها إلي، قائلة أنت سبب كوني على هذا الحال، أنت هو القاتل الحقيقي، الذي قتل بدم بارد جميع الأنا خاصته. وليست الأسباب سوى ضحايا بريئة من كل التهم التي وجهتها أناك لها . قتلت نفسك و أشرت بأصابع الاتهام نحو النسيان واليأس والكآبة وغيرهم ، وهم بريئون من ذلك كله. بدأت أخرى تقول نعم انت السبب في ذلك ، وأخرى توافقها، الى أن سقطوا جميعهم صرعى من جديد. وعاد ضباب الدم الأحمر، لكني هذه المرة لم أستطع السير مجددا، إذ لم أقو على الوقوف، أحسست بجسمي بارداً كالثلج. أرى يداي ممسكتان بخنجر فضي عطش مغروز وسط قلبي، حيث يروي عطشه من الدماء المتفجرة من قلبي. ربما كانت أناي محقة، ربما كنت انا السبب الحقيقي وراء ذلك، ربما ارتديت أقنعة اليأس والكآبة والحزن وقتلت نفسي، فظننت ان هذه الاسباب قتلتني، بينما كنت نهاية أخدع نفسي. ربما مع طول ارتدائي للأقنعة أنغمس معنى هذه الأقنعة في نفسي واتحد معها، حيث أصبحت أنا نفسي هي اليأس والكآبة والحزن، لكن وهل يهم ذلك كله؟ فمدينتي استحالت صحراء قاحلة، وسكانها الأنا تلون بدمائها الرمال وتحيلها من صفراء الى حمراء قانية، أسقط على الارض ، أنظر إلى أقدام قاتلي المنتصب واقفاً ، يداه ملطختين بدمي، بدمه، انظر بألم الى الأنا ، الى نفسي، التي ستقتل هي بدورها على يدي.

loading