#حنين

LIVE

رتبت نفسي كما يجب “ بعض الأحمر على شفتي ، بعض الكُحل على جفني ، و الأهم طبعاً : أن أخفي الهالات السوداء لعيني .. لست أكذب و لا أمثل ، أنما يهلك المرء أضعافا إن لمس سوادُه أحبابه ..

أقسمت صباحاً ، حينما حملت حقيبتي و غادرت البيت لألتقيهن ، أن أترك كل وِحشة ليالي الماضية على عتبة الباب .. أخلعها ، ثم أمضي. غير مُثقلة و لا مُستثقِلة ..

وحدث فعلاً :

إجتمعنا ، نحن الصديقات اللواتي شتتنا الحياة و الدراسة طويلا ، ضحكنا كما لو أن أكبرنا لم تبلغ السادسة بعد .. ركضنا حول الفرااشات .. تناولنا الطعام بشغف لذته ، اللذة التي نسيناها وسط ركضنا خلف كل شيء و خلف اللاشيء .. غنينا سوية ، و غنيت طويلاً لهن

” صوتك جميل ورد “ .. ” أريد إهداءا بٱسمي لأشاركه على الـ story خاصتي “ … ” واو ،، الناس على اللايف يقولون لك “ صوتك حلو ” “

كنت أغني ، لقلبي ولهن .. بقلبي لا حنجرتي ، أنا التي نسيت أن لي صوتاً يُغني .

ياه ، ما أجمل أن تحمل لك الحياة لطفا يتجسد على شكل صديقات

مر الوقت سريعا ،

و دقت الساعة 15.30 ..

تأخرت جدا.. لكنني كنت سعيدة بتأخري ..

طلبت صورا ، الكثير من الصور ،، أريد أن اتذكر شكلي وأنا مبتهجة .. أود أن أحفظ شكل ضحكتي ، شكل وجنتاي و أنا أبتسم ، عدد الخطوط التي تظهر أسفل عيناي حينها ، كيف تلمع عيناي وسط الفرح.. فلطالما بكيت وأنا أنظر للمرآة بغرفتي .. كنت أريد أن أُرسخ في ذهني كيف جعلني جرح عزيز.. أبدو : أرسخ شكل الجرح بعيني .. كيف أنهما تنطفئان .. تصبحان أشبه للسواد الخانق في سماء مليئة بالدخان .. معتمة.. أرسخ شكل الجرح على وجهي الذي إبتل دموعا .. دموعا غزيرة تكفي لغسل ملامحي كلها ..كيف أن جفناي يتورمان بطريقة فادحة .. فادحة و فاضحة جدا ..

ويبدوا أن كلينا _ أنا والحزن _ قد تمادينا في حفظ بعضنا .. نسيت ملامحي و نسى هو أن يترك للفرح مساحة..

في النهاية : انتقمت بكل ما أوتيت من سعادة مما فات . والتقطت الكثير من الصور .. الصور التي فجأة .. وسط غرق صديقتي في التقاطها ، انسكبت منها حروفها من دموعي :

_ ورد ..! تبكين !

توقفت لوهلة .. أنا أبكي !

لم يتطلب الأمر إلا بضع ثواني لتتذكر صديقتي ذات الموقف الذي جعلني أبكي . في حين حاول قلبي أن يخفيه خلف ظهره .. كطفل صغير .. يحاول إخفاء أجزاء اللعبة التي كسرها بين كفيه الصغيرتين في حين أنها تنفلت منه غصبا عنه أرضا ..

لم أنهر قلبي .. و لم أنهر انا .. سمحت لي بالتبسم لدموعي و جعلها تنسكب ..مع ضحكتي .. سوية ،، تماما كما تطل الشمس ساعات المطر..

لقد کنت حينها قوس قزح يحاول أن يخطو خطواته الأولى على أرض .. أرض غير أرضه وُلدت فجأة و ستختفي مجددا فجأة ..

لا يتطلب الأمر أحياناً منك سوى أن تترك اللحظة تمر.. تمر بفوضويتها التي لا تنتهي .. تماماً كما يمر هذا النص الآن من خلال عينيك اللطيفتين .. و قلبك الصغير النابض .. أتشعر به ؟ داخل صدرك ؟ يطل على نصي خفية .. يذكرك بموقف كهذا من ماض بعيد .. او قريب .. ؟

أنا أيضاً ..

ظننت النص _ يومي _ قد انتهى هنا.. حملت حقيبتي ، ودعت الفتيات و قررت أن أسير .. بدل أن أركب الحافلة . على الطريق سمعت بعض عبارات الغزل التي لا يفوت أصحابها المركونون على الجدار كصورة أضاعت بُروازها فرصة القائها كأبيات شعرية ،لا تاتي بمفعولها على إمرأة مثلي .. فكل ما يدور برأسي حينها سؤال واحد ” أيعقل أن الحب أيضا هو من جنى على هؤلاء ؟ “ و كالعادة لا أستطيع أن أجزم .. من الجاني.. ومن المجني عليه.

حملت هاتفي .. أتفقد بريدي .. أمر وسط المُشاة غير آبهة لشيء .. لكن كهرباءا سرت في جسدي فجأة ، ارتفع نبضي دفعة واحدة الى الحد الذي أحسسته بحنجرتي ، واختلت خطواتي كمن قفز فجأة من على ثبات إلى الهواء .. !

مررت من جانبه ، تماماً كما يمر الحلم بنائم :

يحمل الريح وشاحي الوردي و عطر الياسمين بي إليه ، يحمل الماضي ذكرياتي و كل لحظاتنا الحلوة .. ضحكاتنا .. حديثنا .. الشغب .. الشغف .. الموسيقى ..حتى الشجار و الجدال و الغيرة .. كطيف و يمررها بخفة أمام ناظري كخيط عنكبوت .. لامع ، رقيق .. يتلاشى تماما إن مددت يدك إليه ! في حين حملتني قدماي .. تماماً كما حملني مصيري إلى غير إتجاهه مُتِمة طريقي ..

تقاطعت سبلنا مجدداً .. كما تقاطع قدرنا ذات يوم صدفة .. و تماماً كما يمر المرء بلقطة سعيدة من فيلم مأساوي يعرف نهايته جيدا .. مررت ..

لم يتغير .. ذات النظارة السوداء التي أحبها علي وأكرهها حين تخفي عينيه، ذات العطر اللطيف الذي لم أضع منه كما وعد ، ذات المشية التي تقاسمناها معا ، ذات الشعلة التي توقض قلبي دونما إذن ، ذات الـ ” لا" خاصتي .. ذات العناد خاصته .. ذات الصمت خاصتنا !

لم يتغير ..

إلا أنني صِرت أعند و أضعف .. و بدل أن اتوقف كما توقف كلي لثانية وركض باتجاهه : مضيت ..تاركة له سوء التبريرات و الشك . آخذة معي حزن حقيقة أنه ليس لي .

ها أنا ذي اليوم .. ناجحة في الإمتحان .. أعترف بهزائمي رافعة رأسي ، أحتفل بتحطم قلبي مقابل فوز الرصانة التي يجب على شخص بعمري أن يحملها ، أمسك دموعي بكبرياء إمرأة بدل منحها الحرية بهشاشة طفلة

أنا اليوم قد تعلمت درسي و انتصرت علي

#ذكرى_يومي:24-05-2022

@0ward

“جاهد ألا تلتفت إلى الوراء .. فإن المرء على قَدْرِ حَنِينِهِ يُهان.”


الآم الشاب فرتر لغوته ..
لطالما شدني اسم غوته كونه من أعظم الأدباء. بدايةً قرأت له مسرحية فاوست ، وأي سحر كان ذلك ، أي جمال، بعدها تُيّمت بهذا الأديب ، كونه رفع أسطورة فاوست وجعل لها أجنحة ترفرف في سماء الخلود . ولشد ما آلمني أن كتابه الاشهر الآم الشاب فرتر ليس في متناول اليد، بحثت عنه لكن لا نتيجة مرضية. ولشد ماسعدت حينما لمحت اسم الكتاب وصورة الكاتب على رف أحد المكتبات.اقتنيت الكتاب سريعاً بدأت قرائته ، بفضول حول شكل العمل، لانني لم أقرأ وقتها عملاً أدبيا يخص تلك الحقبة الزمنية ، التي هي أواخر القرن الثامن عشر .
سعادة فرتر البريئة ، ورؤيته للجمال في الأشياء البسيطة. كيف أنه يسعد حينما يرى عطف أخ على أخيه الصغير، كيف يرى الأشجار في الحقول ، كيف أنه يأنس بمجالسة الناس البسطاء . إلى أن وقعت عيناه على شارلوته، حينها تأخذ اللغة منحنى حميمي شاعري تصاعدي، كيف أنس لهذه الفتاة، كيف أستحوذت على حواسه، كل ذلك أستحوذ على كليّ أنا. أيا أسفي، كم آلمني نظرات الاستنكار التي كان فرتر يُرمق بها حين يضع حكم القلب فوق حكم المنطق والقانون، كيف أسف بل ودافع بحمية عن ذلك الفلاح التعيس الذي عشق سيدته حد ان قتل الخادم الذي أتى بعده، كيف دافع عنه أمام الحاكم وكيف رده الأخير، وبأسى أذعن فرتر للحكم المحتوم . كم ذرأ الرماد عن جمرات الشفقة حينما رأيته يناقش ألبرت في قضية تشابه من يقدم على الانتحار جراء ثقل الهموم ونزيف الألم بذلك الذي اشتد عليه مرضه فسلب منه سلوى حياته. بداية اعترض عقلي على هذه المفارقة في التشبيه لكن ، حينما رجعت الأمر لقلبي ، وجدت المغزى ، كيف ان المنتحر كان همه وثقل أحزانه ويأسه وإحباطاته وفشله كان كل ذلك هو المرض الفتاك الي يرزح تحته المنتحر وهذا المرض بحد ذاته هو الذي أودى بحياته. رؤية كم كان فرتر يكره ضيقي النفوس الذين يتعكر مزاجهم لدى رؤية سعادة الآخرين، وكيف كان يضيق هو بنفسه حين رأى من يحب يرقد تحت الثرى وكم كان هو عاجزاً جراء ذلك الموت ، وكم أضنه انه لايستطيع فعل شي ، ألمه تجاه العجز ، كل ذلك بعث شيء من الأمل في قلبي.
رؤيته يتألم جراء المجتمع الذي ينظر للطبقات قبل الأخلاق وقبل الجوهر ، يأسه من قسوة هذا العالم وأكثر من ذلك ، ألمه الذي أضناه وحطم صدره ، ألا وهو كل شيء متعلق بلوته. حينما وصلت الرواية لهذا الصدد، بدأت اللغة تشتد حميمية، شاعرية، مأساوية الى حد قلما رأيته في رواية أخرى. أفضل مشهد برأيي، حينما يقف فرتر أمام لوته، حينما تتضرع اليه أن يضبط نفسه، أن يقلل من زياراته، أن من غير الممكن أن يبقى الأمر بهذا الشكل. أحسست وقتها أنا كقارئ، أحسست أنني أنا فرتر، ولشد ما آلمني حديث لوته، كان حديثها أشبه بالخناجر الموجهة الى قلبي . أما أكثر مشهد مأساوي هو اللقاء الأخير، حينما جلس فرتر يقرأ بحزن أشعار أوسيان، أيا أسفي، ستظل تلك الأوراق، تلك المقاعد ، ذلك البيانو، والستائر المسدلة بتراخي على نافذة شهدت الكثير وظلت صامتة. ذلك المشهد حينما بكى فرتر وبكت لوته وضمت يديه الى قلبها ، حينما شعر الإثنان بتعاستهما . سيظل ذلك المشهد مطبوعاً في قلبي .

هناك بعض الأخطاء المطبعية لن أتعرض لها، كون المؤلف والمترجم على حد سواء ليس لهم أي علاقة بهذه الأخطاء وإنما عبء ذلك يقع على دار النشر على حد علمي.

شكراً عظيماً للمترجم نجم والي، فقد جعلني أحلق مع النص وحميميته، شاعريته، مأساويته، حزنه. شكراً لأمانته في نقل النص من اللغة الأصل “الألمانية” الى العربية، شكرا لمجهودة في ذلك الصدد، فإني أرى أنه أبلى بلاءاً حسنا.


image

خلال ضباب الدماء، اشق طريقي . متبعاً إحساسي ، حيث الرؤية تقف عاجزة عن تتبع أي طريق ينبغي اتخاذه. أتابع المسير ، وقلبي يضطرب مع كل خطوة ، يضطرب مع فكرة ان هذا الطريق لانهاية له ، يضطرب لفكرة أنني في متاهة أبدية ، حيث لا خروج، لا توقف، ولا رؤية. منزوع الادراك والارادة. سرت إلى أن تمكن مني التعب، تعبت من نفسي ومن ضعفي ومن رطوبة الضباب الذي ملأ صدري بروائح الدماء، دماء لا أعرف مصدرها، كم يؤرقني ويمزقني ان لا أعرف مصدرها. لا أعرف كم مضى على حالتي هذه، بدأت أشتاق الى نفسي، الى إرادتي ، وحواسي، بكيت حيث لم يتبقى لي سوى البكاء، هو الشيء الوحيد الذي لم يُنتزع مني. سقطت على ركبتي باكياً، وخلال دموع البكاء التي تضفي رؤية حالمة وسرابية للواقع، بدأ الضباب ينقشع، وأبصرت الصورة. جثث، مترامية هنا وهناك، بعضها مسحوق تماماً، والاخر لازال يحتفظ ببعض أطرافه، بينما الآخر لم يترك سوى الدماء، حيث تكون هي الدليل على وجوده. كانت الجثث تحمل صورتي، وجسدي، أرى نفسي مقتولا، هنا وهناك، بين الأزقة وعلى الرصيف، فوق السطوح وطافياً بتعاسة يجرفني تيار المجارير. ترى مالسبب؟ مالذي فعلت بذاتي؟ ماذا فعلت نفسي بنفسي؟ وخلال تساؤلي، نهضت جثة تنزف دماً من عينيها وأخرى تنزف من فمها، وثالثة تنزف من قلبها، ورابعة وخامسة، ثم سادسة وسابعة، جميعهم يتجهون نحوي، ويضموني واحدا تلو الآخر، وخلال هذا الطقس المقدس، نقلت جثث الأنا مختلف الاسباب التي قتلتني. كانت هذه تشكو نسياناً أصابها بسهم في صدرها، وأخرى تبكي حزنا سحقها وأخرى تصف قتالا خاسراً مع اليأس طرحها أرضاً، ورابعة تريني آثار اعتداء عنيف من الكآبة عليها، كل أنا تصف وتشكوا لي سببا. الى ان انتهت آخر أنا ، مشيرة بأصبعها إلي، قائلة أنت سبب كوني على هذا الحال، أنت هو القاتل الحقيقي، الذي قتل بدم بارد جميع الأنا خاصته. وليست الأسباب سوى ضحايا بريئة من كل التهم التي وجهتها أناك لها . قتلت نفسك و أشرت بأصابع الاتهام نحو النسيان واليأس والكآبة وغيرهم ، وهم بريئون من ذلك كله. بدأت أخرى تقول نعم انت السبب في ذلك ، وأخرى توافقها، الى أن سقطوا جميعهم صرعى من جديد. وعاد ضباب الدم الأحمر، لكني هذه المرة لم أستطع السير مجددا، إذ لم أقو على الوقوف، أحسست بجسمي بارداً كالثلج. أرى يداي ممسكتان بخنجر فضي عطش مغروز وسط قلبي، حيث يروي عطشه من الدماء المتفجرة من قلبي. ربما كانت أناي محقة، ربما كنت انا السبب الحقيقي وراء ذلك، ربما ارتديت أقنعة اليأس والكآبة والحزن وقتلت نفسي، فظننت ان هذه الاسباب قتلتني، بينما كنت نهاية أخدع نفسي. ربما مع طول ارتدائي للأقنعة أنغمس معنى هذه الأقنعة في نفسي واتحد معها، حيث أصبحت أنا نفسي هي اليأس والكآبة والحزن، لكن وهل يهم ذلك كله؟ فمدينتي استحالت صحراء قاحلة، وسكانها الأنا تلون بدمائها الرمال وتحيلها من صفراء الى حمراء قانية، أسقط على الارض ، أنظر إلى أقدام قاتلي المنتصب واقفاً ، يداه ملطختين بدمي، بدمه، انظر بألم الى الأنا ، الى نفسي، التي ستقتل هي بدورها على يدي.

loading