#غروب

LIVE

انطـباع ..


على سِـياج المينَـاء ، أجلس متشبثا به بكلتا يدي ، في وضعْـية غير معهودة مـني كون كلٌ شيءٍ فيّ يصرخ بالرتابة . متأملاً دموية الأفق في الغروب ، ممزوجة برفق برمادية بداية المساء، وفي امتزاج الوان المساء تتدخل عوادم المصانع في الافق البعيد ، لتعطِـي تشويهاً للوحة الفنية التي تمتزج فيها ألوان الحياة البديعة ، والحزينة شيئاً ما ، وإن جاز لي القول الكئـيبة. فلِـيس بالضرورة ان يكون الابداع مبهجاً.

وفي غياب النور المتدرج ، تختـفي التفاصيلُ شيئا فشيئا ، فالتفاصيل الان لم تعد مهمة ، وانما المهم هو الصورة العامةً. مجسمات سوداء، توحـي بسيناريوهات عديدة ، منها صاحب القارب والمسافر ، يتنقلون بين أجزاء الميناء ، برفـق ، أراه يجدف مرة ، ويترك حركة القارب الناتجة عن تجديفه ، فتستمر حركة القارب لوقت طويل نسبيا بسبب ركود حركة الماء، أرى النعاس يدغدغ جفن المسافر ، والرتابة والهدوء تغلب قسمات صاحب القارب. كم من العظيم أن أرى كل ذلك في مجسمات سوداء بعيدة ، أو خـيّل إلي ذلك بسبب الجو العام لما أتأمله. أهو حقيقي أم لا ، وما الحقيقة ؟ وما وزنهـا في عينـي تافـه ، خسر حلْمـاً كان أكبر منه . يتأمـل المساء بجسده وروحـه ترزح تحت ثقل الألـم ، وصدره يسحق في قاع هوة المستحيـل والـلاممكـن. يسـحق بشكل مستمر وبوتيرة متاصعدة ، ودمائه تزين قاع هوّتـه بأسلوب تشكيلـي . مختنقـا بالدماء ، متنفسا ضبابـها وأبخرتـها ، وفي بوتقـة الألم هذه ، عـزّ على الأكسجين ألّا يكـون مشاركا ، فأتـى مؤكسداً تلك الدماء جاعلا من الأحمر أسوداً ، مضفيا رمزاً ، طابعاً ولونا جنـائزي ، ربما معزيا أو في الألم مساهما.

أحوّل نظري إلى انعكاس شمس المساء الدامية على سطح الماء الراكد ، تتراقص بلطف ، مشوهـة الصورة . درسٌ مفاده أن أحلامنا دائما ماتكون مثـالية براقـة ، وحينما نحاول إسقاطها في الواقع ، حينما نحاول تجسيدها وإخراجها للعلن ، تأتي مشوهــة ، تماماً كانعكـاس شمس المساء على سطح مياه الميناء. أصوات بعيـدة ، مختلطـة متشابكة ، ضوضاء المساء ، يتخللها بين الحين والاخر صياح النوارس، يحلقون حـولي ، وفوق صفحة البحر ، ويتجمعون فوق أسطح المباني القريبة . ربـما هكذا رأتهـم عيني ، لكن تحدثًا عن روحي ، لم ترى سوى غرابيب سود ، يعزفون سمفونـية الموت ، بأصواتهم البشعة ، محلقيـن فوق رأسي ينتظرون بفارغ الصبر سقوطي، كي أصبح غذاءً لأجسادهم السوداء، وقودا لفرقـة الحزن والمأساة . رسُـل الموت ، تحتفـل حماساً ، لأجل وليمتهم الجديدة ، والمكتنـزة باليأس ، الممزقـة بالألم والموشحة بالأسى .

مجسمـات سوداء ، لقوارب متناثرة هنا وهنـاك ، على مياه الميناء الراكدة ، كل يصبوا لغايـة معينة ، جميعهم يناضلون لأجل شيء ما، لديهم سبب وغاية . يطفون بلطف ، وفي حركة رتيـبة يتحركون ، فالرائـي يحسبهم جمادات ، لكن لو تأمل قليلا لشـده لشدة بطئ ورتابة حركة قواربهم . مسافر ودليل ، عاشق ومعشوق ، صياد ، مختلفون ، لكنهم واحداً في نضالهم ، مجسمات سوداء ، بعيدة ، تذكّـرني بنضالي العقيم ، بقتالـي الضعيف ، بضعفـي وقلـة حيلتي ولا شـيئي، بعيدون ، منشغلون بأنفسهـم عن غيرهم . فمـن يريد أن يلـتقي عدمـا ، أو يرى مأساة ، أو يشعر حزْنـاً في دنيـا المباهـج. عسـى أن أكون جزءاً من هذه اللوحة ، ربما أنا بالفعل فرد أو عضوا فيها ، كونـي أتأملها ، كونها حيـة في عيـني ولها وجـود في كيـاني؟ عبـثاً، فكل لون ، كل تجسيم ، كل شكل ينظر إلـي كما ينـظر إلـى الـلاشيء، الى العدم ربما ، تمـاما كما تنظر اللوحة إلـى من ينظر إليهـا . فاللوحة تعيش بداخل من يتأملها ، لكن من يتأملها حتما لايعيش بداخلها ، إذ أنها حقبة جامدة ، توقف في وجه استمراريـة وسيادة الزمن ، كأنها رفـض لماهيـته . عـلّنـي أكون لوحـة ، وهل هنـاك لوحـات ، أو فنـانين يجسدون عـدما؟ عبثاً فالعدم هو الـلا تجسيد ولا جسد ، الـلا حياة ، الـلاشيء ، هويـتــي.

وفي عمق الافق ، تختفـي ألوان المباني وأعمدة المصانع ، فتحال ألوانها كلها إلى رماد المساء. تمـاما كمل تفعل الهشيم في كل شيء تلتهمـه ، فتحيل مدن وقرى ومعالم ، إلى ثرى خفيف ، رمـادي . لكنـها وفي سطوتها استحالت أن تحول أحلامـي رماداً. صحيح أنها رمدت كل شيء حيّ ينبض فيّ ، لكنها عجزت أن تحيل لونـي رماداً. فأفكاري ، وأحلامـي ، وجسدي وروحـي ، جميعهم انتفضوا ، في لوحة ثوريـة ، غاضبين ، يحركهم الألـم ، رافضين فكرة أن يحالوا الى رماداً يدل على عجزهم ، فشلهم ، تفاهتهـم . أبوا في سطوة الثورة كل شيء ، وابتغوا السواد . السواد كان غايتهم، كانوا يصرخون به حقاً من حقوقهم على الرماد ، فكان شعارهم و فكرهم .هاتفين ، ويداً بيد صارخين واليأس يحركهم ، فالنصـر للسواد عدمـا - على الرماد أثراً . لم يتحملوا فكرة وجود أثر كاالرماد ، يدل على فشلهم ، عجزهم ، يذكر الأجيال القادمة على صغرهم وتفاهتم أمام الكون العظـيم ، فأصروا على السواد عدمـاً ، متخذينه نصراً وغاية ، ففي سطـوة الألـم ، وتحت شدة المعاناة ، وفي كون الحيـاة مأساة ، يكون العدم غايـة ، هدف ، محطة نهاية ، وبل وحـقٌ يُطالـب به كل من خسـر كل شيء ، وانسحق تحت كل شـيء وتألم وعانى بكل شـيء ، فتكون غايته ومنتهى أملـه هو الـلاشيء.

My family and I recently moved to live in the city of Khobar, and we chose the vicinity of the sea.

My family and I recently moved to live in the city of Khobar, and we chose the vicinity of the sea. Here I gained a new habit: I now start my mornings by looking indefintely at the sea surface, which is always bright and on standby.

The sea unites with its surrounding for an ever-changing charm. It appears new, different and beautiful every time I look. It is beautiful when it reflects the sky, the sun’s rays or the color of the clouds, and it is beautiful if it hosts a swarm of birds, shows a silhouette of a fisherman or carries a distant boat, and is beautiful if it chooses to stay up with the stars or disappear in the darkness of the night.

Our love for the places is different from any other love. It is a love that we inhabit. For this, it never becomes a memory in itself, but rather a place for all memories. It colors them and colors us, and it is -in this particular sense- something larger than love. It is a feeling that I know very well -I am the son of as-Salt - but I don’t know a name for.

The sea keeps revealing its beauties to me every hour as if it realizes that. Its image will always resonate the echo of what I feel today, and tomorrow when I look back, I will see a young me wandering on its shore.


Post link

لم يتغيّر المنظر كثيراً منذ حُبست هذه الشّمس ساعةً ليوشع بن نون، لكنّ المشهد تغيّر؛ ربّما رأى نهراً هو الآن سيلٌ من طين، وبحراً يتآكل اليومَ قهراً، لكنّه لم يرَ أريحا ونابلس والقدس، الّتي كان في طريقه إليها، حلماً بعيد المنال.

تجمَعُ أهلَ السّلط -على اختلافهم- قصّتان: واحدةٌ مع إطلالةٍ على وسط المدينة، وأخرى مع الإطلالة الغربيّة على فلسطين. سآتي على قصّتي الأولى لاحقاً، أمّا الثّانية فقد مضى عليها 15 سنة وباتت هي أيضاً كحلم أميّزهُ وأنكرُه، لولا أنّ عليه شاهدَين أظنّهما عدلَين .

ذات جمعة وبعد صلاة العصر في مسجد الجبيل (جبيل ثابت)، اقترب منّي شيخٌ كبير لم أرَه من قبل. كان طويلاً أسمرَ ذا شاربٍ مهذّب وقوام نحيل. لا أذكر شيئاً يميّزه، ولا أذكر إن عرّف عن نفسه. سألني والشّابّينِ بجانبي من أيّ العائلات نحن، فأجبنا. هنا أغمض عينيه نصف إغماضة لتختفي ملامحُهما تماماً في ظلّ محجريه، وقال لي: “جدّك الحاجّ عبدالله الغفل، وجدّك الآخر أخوه الحاجّ عبدالرّحمن -رحمهما الله-"، وأعادَ الأمرَ ذاته مع رفيقيّ فأصاب، وتركنا في حيرة.

قبالة الشّمس -إيّاها- والمنظر الغربيّ -ذاته- لحقني وطلبَ منّي إيصاله بالسّيّارة ليرى قريبة لي عجوزاً كان قد سألني عن أحوالها، ففعلت.. ولم أره بعدها.

_

عن اللّوحة:
العنوان: (ذاتَ غروب)
رسم رقميّ.
الأبعاد: 3840 * 2160 بيكسل.

loading