#كلاسيكي

LIVE

في صبيحة أحد الأيام ..

أخرج مجيباً نداءات الصباح لعملي المعتاد ، أجتاز الطرقات والأزقة نفسها ، الوجوه نفسها . لكن هناك رائحة مختلة ولون جديد وصوت عذب ، في مكان ما . تبعت الرائحة ، وكلما اشتدت قوة الرائحة اشتد معها صوتها وعمق لونها. وصلت للمركز فرأيت شابة تعزف على قيثارتها . مغمضة العينين ، وكأنها تؤدي شعيرة مقدسة ، أناملها المحمرة في أطرافها ، تتراقص على أوتار القيثارة ، والأوتار بدورها تستجيب لتلك النعومة والقيثارة تحكي هذا التناغم . اقتربت منها ، ووضعت حقيبتي على الارض ، وجلست بجانب الحقيبة ، استمع الى تلك الانغام ، استمع الى صوت الحياة والموت ، صوت الفرح والحزن ، الى تلك العواطف المبعثرة والتي تسير بإيقاع منتظم ، أحس بنفسي تسقط كل حصونها ودفاعاتها . فرغم كل حرب دخلتها ، سواء انتصرت فيها ام هزمت ، لم اتخلى ابداً عن دفاعاتي ، لكن امام غزو تلك الانغام لنفسي ، رأيتني أسقط دفاعاتي كلها .توقفت الفتاة بعد ضربة حزينة أخيرة على الاوتار ، ونظرت الي ونظرت انا بدوري اليها . كانت مبهورة الانفاس جراء رقص روحها مع الانغام ، كانت تبكي ، والفيتني انا ابكي وكلانا ينظر الى بكاء الآخر. كلانا فقد شيء عزيزٌ على قلبه ، ربما الفقد هو الشيء المشترك بيننا والذي جمعنا في هذه اللحظة. لكنها اختارت ان تترجم عواطفها بعزفها العذب الرقيق ، وانا اخترت أن أخبئ عواطفي خلف حصوني ودفاعاتي . وياعجباً ، أرى عذوبتها انتصرت على كتائبي فغزت مدينتي بقيثارة ، وفتحت حصوني واحدا تلو الآخر بآناملها الرقيقة التي تعلوها بعض الحمرة ، واقتحمت قصري بعواطفها الجياشة ودخلت غرفتي الحصينة ، وأمسكت برأسي تضمه الى صدرها بينما كنت أنشج وابكي بكاءاً حاراً . كم هو مؤلم ان تصبح بلا دفاعات ، انت تصبح مفضوحاً ، أن تحاول بيأس اخفاء ضعفك . أخذت تمسح على رأسي بأنغامها ، وتهدهدني ، إلى أن ألفتها وعشقت رائحتها وأبيت الانفصال عنها ، مريدا ان اتحد معها لنصبح واحداً . أيقضني من أحلامي تصفيق الجمهور بعدما انتهت فتاتي ، بينما كنا لانزال ننظر إلى أرواحنا المرهقة . نعم ، لأن كلانا حتماً فقد شيئا عزيزاً على قلبه.

الكوميديا الإلهية ..

المعجزة الأدبية العظمى ، صرح دانتي الذي خلّد تاريخ زهو النسر الذهبي الذي يرمز للإمبراطورية الرومانية وانحطاطه. وعمله الأعظم والذي يتمحور حول العدالة الإلهيـة .

لهذا العمل ثلاثة محاور أساسية ، تمثل أركان وملامح الكوميديا بكاملها. وهي

•الجحيم

، يرى دانتي نفسه تائها في غابة مظلمة ، والتي تمثل أولى حلقات الجحيم. ولإرشاده تذهب قديسة سيراكوزا لتخبر بياتريشي (محبوبة دانتي، والساكنة في الفردوس) عن سوء حال دانتي ، فتذهب الأخيرة مستنجدة بشاعر الرومان الأعظم، ڤيرجيليوس، فيقوم بإرشاد وحماية دانتي في هذه الرحلة . فيمران معاً بمختلف حلقات الجحيم، ويرون العاصين والذين تختلف درجاتهم على حسب حجم معصيتهم، الى الحلقة الأخيرة والتي يوجد بها لوسيڤر. رحلة مليئة بمشاهد الرعب والمسوخ والمآسي.

•المطهر

وفي هذا الركن ، تخف الشدة، وترتاح النفس لوصولها إلى هذا القسم. حيث العقاب مؤقت، ويعتبر مرحلة تمهيدية وتطهيرية للإرتقاء للفردوس. وهنا أيضاً يلتقي دانتي مع ڤيرجيليوس بمختلف الشخصيات، وتطرأ عليه مختلف التساؤلات والشكوك والتي يدحرها ويجاوب عنها ڤيرجيليوس. نهايةً يلتقون بصديق قديم ، كان هذا الأخير يكن عظيم الاحترام لفرجيليوس، فيصاحبهم. ومروراً بمختلف الأفاريز، يتطهر دانتي من الوسوم التي وسمها بها الملاك في بداية هذا الركن. إلى أن يلتقون ببياتريشي محبوبة الكاتب، التي ستصحبه للفردوس.فيرحل عندها ڤيرجيلويوس لكونه مات على الوثنية. ويعتبر مشهد رحيل ڤيرجيلويس من أحزن مشاهد الكوميديا (باالنسبة إلي).

•الفردوس

ومن خلال اصطحاب بياتريشي لدانتي ، في مختلف مرورا بالسموات العشرة، تفك له شفرات وألغاز الكون، وتدحض شكوكه المختلفة والمبنية على معرفة فلسفية سابقة عن كتّاب لم يبصروا النور الحق. ومع اجتياز كل سماء ومع دحض كل شك ، تقوى روح وبصر دانتي فيكون قادراً على احتمال النور والمتعة والتي تختلف شدتها في كل سماء. ونهاية يصل لسماء النور الخااص ، حيث يغمس عينيه في الجوهر غير المتناهي، ويصل الى أقصى حالة استشراقية.


عمل أدبي عظيم، ملحمة شعرية، تصف وتحكي وتناقش وتجادل وترثو وتهجو وتتحسر وتتأمل في أبيات ثلاثية . ويؤكد دانتي أن عمله ، هذا قابل لقراءات حرفية ورمزية وأمثولية. وما يجعل للعمل وزناً أدبياً إضافيًا ، هو أن الكاتب ، قد ارتقى بالعامية الإيطالية والتي كانت دارجة يومذاك، إلى الفصاحة والكلاسيكية الشعرية.


شكر وامتنان كبير للمترجم (كاظم جهاد) والذي ترجم العمل كاملاً وزوده بحواشي مليئة بالشروحات القراءات المختلفة، والتعريف بمختلف الشخصيات وعلاقتها بالسياق. وشكرٌ خاص لجاكلين ريسيه، والتي ساهمت ساعدت وكانت ذات يد عون لعمل كاظم جهاد.

loading