#ملحمة
عالم بلا خرائط . للأديبان العظيمان ، جبرا إبراهيم جبرا ، وعبد الرحمن منيف .
عمل أدبي فريد من نوعه ، معقد متشابك ، بقلمين من عالميْن اثنين . في العادة أن الروائي يكون حاكم روايته والحكام بطبعهم تأبى أنفسهم المشاركة في الحكم . فتوقعت أن أجد تناقضا وحيرة وضبابية في هذا العمل ، وقد وجدت بالفعل، لكنني وبعد الاستمرار وجدت ان هذه الضبابية والتناقضات كانت لبنة أساسية لإكتمال هذا العمل العظيم.
بداية العمل ، يكون القارئ أمام كلمات ومشاهد غامضة ، متاهات ، يعتقد انه يعرف شيئا او اثنين لكن مايلبث ان ينتقل للفصل الثاني حتى تنهار كل اعتقاداته . ومن خلال الفصول الاولى نحصل على جزء من صورة علاء الدين نجيب قبل نجوى. نستطيع ان نقسم الرواية الى قبل نجوى ، زمن نجوى، وبعدها.
بداية لم أجد في هذا العمل أية “ميزة ” تجعله مختلفاً. وسرعان مابدلت رأيي بل وجدته سخيفاً نوعا ما. وذلك حينما بدآ الرائعان يتحدثان عن عمورية. وهنا تذكرت أديب ايرلندا العظيم جيمس جويس، حيث كان كل ماكتبه يحدث في مدينته التي احبها وكرهها ، “دبلن”. وهنا تجري الاحداث في عمورية، لكنها ليست عموريتنا ، بل هي عمورية الكاتبان، عمورية غير الواقع ، عمورية عالمهم ، عالمهم الذي بلا خرائط.
وجدت اجزاء من نفسي في عمورية، فلي بلدة تشبههاها الى حد كبير، فأثارت شجوني سمفونيات الفرح والحزن والألم والمأساة المتعلقة بهذه المدينة . ولم يتورعان الكاتبان عند هذا الحد من المفاجآت، حيث أدخلا شخصية حسام الرعد ، في داخل كل منا يوجد حسام الرعد، المحب للحياة ، الجامح ، السعيد، الشجاع الا مبالي، الخيّال عاشق خيلته لمعه. وعلاقته بالمثاليات وصدام الواقع ، ورغبته في تغيير عمورية وارجاعها الى سابق عزها، لكن كلامه وافكاره تظل تتردد بين جدران قلبه وخيالاته، حيث لاتكاد تصل إلى أراضي الفعل. وهنا يبرز أدهم أخ علاء الدين، والذي يعتبر المحرك والفعل لأقوال وأحلام خاله، حسام.
الشخصيات وبناءها قوي ، على الرغم من ان بعضها قد يبدو ضبابي بعض الشيء، كخلدون ، ونبيل وصبا.
وبعدها تبرز نجوى، وعلاقتها بعلاء الدين ، فنرى الحب والجنون والشبق والتحدي لكل وازع ولكل عقبة وتقليد. ومن خلال نجوى يبرز لنا كم هو محطم علاء، وكأن نجوى أخذت تكسر قشرة علاء الدين الخارجية والمتيبسة، فتظهر بعض أجزاء نفسه الحقيقية ، تظهر صور المأساة في ولعه بنجوى ، صور الوحدة والبؤس، وكأن نجوى هي ذاك المسكر، الذي ما ان تتناوله حتى تطير في عالم الاحلام وما ان تستفيق منه حتى تدرك بؤسك وتزداد بؤسا على بؤس. في نهاية الرواية يظل الحدث الاهم موضع شك ، غير متأكدين حول الحقيقة، فرأيت ان هذا اشبه بكرم بالغ من الروائيان حيث تركا لنا ان نقرر ماهي النهاية. بما ان نجوى ذات كبرياء ، تعشق التملك والاستحواذ، وفي خضم المشاكل بينها وبين سليمان العامري والميراث، وبين الجنون والوهم والانتشاء في آخر مشهد ، وحينما رأت نجوى علاء ينساب بين أصابعها كالرمل ، وبين كلماتها اوخصوصا"الموت بين يديك أمنية". وأيضا موقفها الشاذ ذلك اليوم، يبدو أنها كانت تضحي بكل شيء في سبيل هذه اللحظة ، والتي بدت لي كالعشاء الأخير . ربما بعدما التقت بلخدون ، رأت أنه لا أجمل من ان تنهي حياتها باختيارها هي ، في تلك الدار والتي تحتفظ بين جدرانها العديد من مشاهد الخيبة والمآسي، ولإضفاء بعض الدراما بدت كمن أُعتدي عليها ، وربما كانت رسالة لعلاء الدين بأنها اذا خسرته خسرت كل شيء . أو ربما قتلت بعدما هددت من قبل سليمان العامري حول موضوع الميراث ، أو ربما على يد خلدون وأعتقد ان هذا غير وارد وذلك من خلال الصورة النفسية التي كوناها عنه من خلال هذا العمل. أو ربما بين حقيقة والوهم ، وتداخلهم ، ربما كان علاء هو من قتلها .
نهاية، أرى هذا العمل من الأعمال العظمى التي قرأتها، مليء بالاسئلة الوجودية والفلسفية والحيرة والتناقضات والفرح والشبق والجنون واللذة والألم والمآسي. ففي هذا العمل رأيت البحث عن وليد مسعود ، ورأيت أيضا شرق المتوسط. كأن الكاتبان كانا يتنافسان بإبراز أفضل مالديهم ، فإذا ظهر أحدهم بمشهد قوي تحداه الآخر بمشهد أقوى حبكة أو إحكام، ومن خلال تشذيب هنا وهناك يبقى الأفضل ليُضع في هذا العمل.
الكوميديا الإلهية ..
المعجزة الأدبية العظمى ، صرح دانتي الذي خلّد تاريخ زهو النسر الذهبي الذي يرمز للإمبراطورية الرومانية وانحطاطه. وعمله الأعظم والذي يتمحور حول العدالة الإلهيـة .
لهذا العمل ثلاثة محاور أساسية ، تمثل أركان وملامح الكوميديا بكاملها. وهي
•الجحيم
، يرى دانتي نفسه تائها في غابة مظلمة ، والتي تمثل أولى حلقات الجحيم. ولإرشاده تذهب قديسة سيراكوزا لتخبر بياتريشي (محبوبة دانتي، والساكنة في الفردوس) عن سوء حال دانتي ، فتذهب الأخيرة مستنجدة بشاعر الرومان الأعظم، ڤيرجيليوس، فيقوم بإرشاد وحماية دانتي في هذه الرحلة . فيمران معاً بمختلف حلقات الجحيم، ويرون العاصين والذين تختلف درجاتهم على حسب حجم معصيتهم، الى الحلقة الأخيرة والتي يوجد بها لوسيڤر. رحلة مليئة بمشاهد الرعب والمسوخ والمآسي.
•المطهر
وفي هذا الركن ، تخف الشدة، وترتاح النفس لوصولها إلى هذا القسم. حيث العقاب مؤقت، ويعتبر مرحلة تمهيدية وتطهيرية للإرتقاء للفردوس. وهنا أيضاً يلتقي دانتي مع ڤيرجيليوس بمختلف الشخصيات، وتطرأ عليه مختلف التساؤلات والشكوك والتي يدحرها ويجاوب عنها ڤيرجيليوس. نهايةً يلتقون بصديق قديم ، كان هذا الأخير يكن عظيم الاحترام لفرجيليوس، فيصاحبهم. ومروراً بمختلف الأفاريز، يتطهر دانتي من الوسوم التي وسمها بها الملاك في بداية هذا الركن. إلى أن يلتقون ببياتريشي محبوبة الكاتب، التي ستصحبه للفردوس.فيرحل عندها ڤيرجيلويوس لكونه مات على الوثنية. ويعتبر مشهد رحيل ڤيرجيلويس من أحزن مشاهد الكوميديا (باالنسبة إلي).
•الفردوس
ومن خلال اصطحاب بياتريشي لدانتي ، في مختلف مرورا بالسموات العشرة، تفك له شفرات وألغاز الكون، وتدحض شكوكه المختلفة والمبنية على معرفة فلسفية سابقة عن كتّاب لم يبصروا النور الحق. ومع اجتياز كل سماء ومع دحض كل شك ، تقوى روح وبصر دانتي فيكون قادراً على احتمال النور والمتعة والتي تختلف شدتها في كل سماء. ونهاية يصل لسماء النور الخااص ، حيث يغمس عينيه في الجوهر غير المتناهي، ويصل الى أقصى حالة استشراقية.
عمل أدبي عظيم، ملحمة شعرية، تصف وتحكي وتناقش وتجادل وترثو وتهجو وتتحسر وتتأمل في أبيات ثلاثية . ويؤكد دانتي أن عمله ، هذا قابل لقراءات حرفية ورمزية وأمثولية. وما يجعل للعمل وزناً أدبياً إضافيًا ، هو أن الكاتب ، قد ارتقى بالعامية الإيطالية والتي كانت دارجة يومذاك، إلى الفصاحة والكلاسيكية الشعرية.
شكر وامتنان كبير للمترجم (كاظم جهاد) والذي ترجم العمل كاملاً وزوده بحواشي مليئة بالشروحات القراءات المختلفة، والتعريف بمختلف الشخصيات وعلاقتها بالسياق. وشكرٌ خاص لجاكلين ريسيه، والتي ساهمت ساعدت وكانت ذات يد عون لعمل كاظم جهاد.
مَـلحمة القرن العشِرين ، العمل الأدبي الأعظم والأكثر تعقيداً ، ذات المفاهيم والمعاني والتلميحات المستغلقة . واحدة من أهم الأعمال وأعقدها في الأدب الحداثي ، رواية طويلة تحكي سير حياة يوم شخص طبيعي يسمى بلوم .الذي يميزُ الرواية ، أن بها تجتمع سمفونيات الحياة ، من أدب ، وتأريخ ، فلسفة ، سياسة ، فن ، طب ، رسم ،صحافة ، اجتماع . وكل فصل من فصولها يتميز بأسلوب نثري مختلف . فبعضها يحاكي أساليب الكتّاب القدماء ، وبعضها الآخر يتميز بأسلوب يسمّى تيار الوعي . وهو الأسلوب الذي اعطى الرواية شعلة الشهرة . وهي كتابة مايدور في وعي الشخصية من تعقيد الأفكار وتشابكها وأمواج الخيال ، وكل ذبك يحدث بينما تسير الشخصية بين الطرقات
لفهم الرواية وفك رموزها ، يتوفر معها كتيب ، مليء بشرح الجمل والتشبيهات المستغلقة .
“قراءة الرواية هُـو تَحدّي بحد ذاته”
و العنصر المثير فيها ، هو أنّـه لقرائتها ، يجب أن نخصص وقتا كاملا لإنقطاع لها . لابد من التعامل معها كمركبات أدوية ، الإكثار منها قد يؤدي إلى عطبك . قراءة مقطع التأمل فيه وفي أبعاده وعدم الانتقال الى المقطع الاخر من دون التأكد من فهم المقطع الاول .